هل أصبحت وزارة المالية وزارة جباية فقط ؟!!
بقلم : عثمان حلمي ( نص أمدرمان )
الانخفاض الطفيف في سعر الدولار من 3500 إلى 3450 جنيهاً، وبداية نزول الجنية من ٧٥ الي ٧١ جنية وقبل أن يعاود الارتفاع مجدداً، فوجئنا بقرار وزير المالية د. جبريل إبراهيم، فور عودته من اجتماعاته في قطر – والتي كنا نأمل أن تُحدث انفراجاً في الأزمة الاقتصادية الخانقة – برفع الدولار الجمركي إلى 2600 جنيهاً، وهو أعلى من بعض أسعار البنوك التجارية الرسمية.
هذا القرار يعكس تجاهلاً واضحاً لمبدأ التقييم الجبائي ومدى توافقه مع التوازن المالي، وتحقيق الكفاءة الاقتصادية والعدالة الضريبية، كما أنه لم يراعِ مصفوفة مقارنة الأسعار وقياسها (Price Comparison and Measurement Matrix)، ولم يأخذ في الاعتبار معدلات التضخم المتسارعة وظروف الحرب التي تعصف بالبلاد.
وكان من الأجدر بالوزارة أن تلجأ إلى خيارات اقتصادية أكثر توازناً واستدامة لزيادة الإيرادات، بدلاً من تحميل المواطن مزيداً من الأعباء عبر رفع الدولار الجمركي، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى تقليص الاستيراد، وبالتالي انخفاض الإيرادات الجمركية على المدى المتوسط.
ولكي تكون رؤيتي أعلاه أكثر وضوحاً:
ارتفاع الدولار الجمركي يعني زيادة الأعباء على المواطنين في ظل الحرب، ويؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، مما يفاقم من الأزمة المعيشية ويُضعف من قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية ويقلل من العودة الطوعية.
الدولار الجمركي، في تعريفه البسيط، هو السعر الذي تحدده الحكومة بشكل دوري لتوحيد الرسوم الجمركية على السلع المستوردة. فكلما ارتفع هذا السعر، ارتفعت معه أسعار السلع، وانخفضت القدرة الشرائية للمواطن.
للتذكير، فقد شهد الدولار الجمركي زيادات متتالية منذ عام 2022:
– من 445 جنيهاً إلى 564 بنسبة زيادة 30%
– ثم إلى 950 بنسبة 69%
– ثم إلى 1100 بنسبة 16%
– ثم إلى 1500 بنسبة 36%
– ثم إلى 2213
– والآن إلى 2600 جنيه بنسبة زيادة غير مسبوقة
بعض الحلول البديلة الممكنة ….
بدلاً من الاعتماد المفرط على رفع الدولار الجمركي، يمكن للحكومة أن تنظر في:
– توسيع القاعدة الضريبية لتشمل القطاع غير الرسمي، مع ضمان العدالة في التطبيق
– تحفيز الإنتاج المحلي عبر دعم الصناعات الوطنية وتوفير مدخلات الإنتاج بأسعار مدعومة
– تقليل الإنفاق غير الضروري وإعادة هيكلة الموازنة العامة بما يراعي الأولويات الوطنية
– محاربة الفساد داخل ادارة الجمارك إلغاء الاعفاءات الجمركية الغير ضرورية وتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد المالية، لضمان توجيه الإيرادات نحو التنمية الحقيقية
– تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي عبر تحسين بيئة الأعمال وتقديم حوافز ضريبية مدروسة
– إعادة النظر في الاتفاقيات المالية والسياسية التي تحمل المواطن أعباء غير مباشرة، مثل استحقاقات اتفاق جوبا، لضمان توزيع عادل للعبء المالي
إن استمرار هذا النهج يُنذر بانفصال السياسات المالية عن الواقع المعيشي، ويضعف من ثقة المواطن في مؤسسات الدولة. فهل من مراجعة جادة تُعيد الاعتبار للاقتصاد الوطني كأداة للنهضة، لا مجرد وسيلة لتحصيل الإيرادات؟ وهل من إرادة سياسية تعيد توجيه البوصلة نحو التنمية المستدامة والعدالة الاقتصادية؟
فهل أصبحت وزارة المالية وزارة جبائية فقط لمقابلة استحقاقات اتفاق جوبا – (استحقاق ذاتي)؟؟؟