ممسكات الوحدة الوطنية بالسودان !؟
السفير.د.معاوية التوم
كل أمة تتعرض في مسيرتها وتاريخها الي فترات صعبة من الأعاصير والابتلاءات تجتاحها ، تحتاج معها أن تستدعي العناصر الكامنة في نسيجها وكل مكامن القوة التي تشحذ همتها وقدراتها على الثبات، لتعزز من تماسها وصمودها أمام التحديات والصعاب التي تعترض طريقها . الحرب المتطاولة مع الجنوب والنزاع في دارفور و (ثورة ديسمبر/أبريل ) وحرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣. فتن ثقيلة متتابعة لازمتنا بتبعات ثقال. ومثل هذه الأقدار من قبيل الاختبارات اللازمة التي تعكس مضاء وصبر وعراقة أمتنا وسجلها فيما يواجهها، من كربات . والشواهد عبر تاريخنا الطويل تعكس ملامح ومشاهد ورجال وقادة بذلوا الغالي والنفيس كي تتجاوز بلادنا هذه العارضات بثقة لتأخذ بدورسها وعظاتها . ومرحلة الحرب التي تشهدها البلاد منذ عامين بمغامرة عرب الشتات والمرتزقة وشرازم العملاء والمأجورين ورعاتهم الكثر، هي إحدى هذه المواجهات العنيفة منذ تأسيس الدولة السودانية . مرحلة كالحة ومليئة بالآلام والمكدرات يلزم معها قدر كبير من الوعي الجمعي وتراص للصف الوطني وقيادة مدركة لحقيقة ما تواجهه البلاد من تحديات جمة ونذر مستطيرة، تستوجب ربط الحزام بتدابير استثنائية وخطاب قومي مواكب لحجم الكارثة التي أحاطت بالبلاد. تبسط من خلالها الدعوة الي الانتباه وترقية الوعي الجمعي ، والعودة الي ممسكات الوحدة الوطنية في السودان والتي تتمثل في مجموعة من العوامل التي تعزز التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي بين مكونات الشعب السوداني، من خلال عناصر التنوع العرقي والثقافي والديني التي تميز الشخصية السودانية، وتسيج كيانها بجملة من القيم والمباديء وسمات التعاضد . ومن أبرز هذه الممسكات:
1. التاريخ المشترك: السودان لديه تاريخ طويل من التعايش بين مختلف القبائل والمجموعات السكانية، والوافدين من أهل الهجرات القديمة حيث شكلت الهجرات والتفاعلات الاجتماعية نسيجًا وطنيًا متكاملاً.
2. التنوع الثقافي: بدلاً من أن يكون التنوع مصدرًا للفرقة، يمكن أن يكون عنصر ثراء وقوة، إذ يثري الهوية السودانية ويخلق فرصة لتبادل الثقافات والتقاليد وتلاقحها وتكاملها بين المجموعات المختلفة، بما يعزز عرى التداخل والتعايش فيما بينها.
3. اللغة العربية كلغة تواصل مشترك: رغم تعدد اللغات والألسن واللهجات المحلية في السودان، فإن اللغة العربية تلعب دورًا رئيسيًا في توحيد المجتمع من خلال استخدامها في الإعلام والتعليم والتواصل الحياتي اليومي.
4. الإسلام والمسيحية كديانتين رئيسيتين: رغم التنوع الديني، فإن القيم الدينية المشتركة مثل التسامح والتعايش تعزز الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين.
5. النظام الفيدرالي: يمكن أن يسهم في تقليل النزاعات عبر منح الأقاليم قدرًا من الحكم الذاتي، مما يعزز الانتماء الوطني دون الشعور بالتهميش أو الإقصاء .
6. الاقتصاد المشترك: التكامل الاقتصادي بين الأقاليم المختلفة، من خلال التجارة والزراعة والصناعة، يعزز الروابط بين المجتمعات المختلفة.
7. الوجدان الوطني والرموز الوطنية: مثل العلم السوداني، النشيد الوطني، القصر الجمهوري ، الشهداء ، الجندي المجهول، والأحداث التاريخية المشتركة التي توحد وجدان الشعب السوداني.
8. التقاليد الاجتماعية المشتركة: العادات السودانية مثل الكرم والتضامن والتكافل الاجتماعي ، والنفير والتكايا، وغيرها تلعب دورًا مهمًا في تقوية العلاقات بين مختلف المكونات.
9. الشباب والتعليم والتقانة : نشر التعليم وتعزيز دور الشباب والمرأة في بناء الوطن يسهم في خلق جيل يؤمن بوحدة السودان بعيدًا عن القبلية والعرقيات والجهوية.
10. الحوار الوطني والمصالحة: تبني نهج الحوار بين المكونات المختلفة وحل النزاعات عبر الوسائل السلمية يعزز الوحدة الوطنية ويقلل من فرص الانقسامات والتجاذبات الداخلية.
هذه الركائز الراسية في مجتمعاتنا هي حصننا المنيع ، وبما توافر لنا من قيادات رسمية وشعبية دينية ورجالات الطرق الصوفية والإدارة الأهلية ، وجماع المنصات الفكرية والشخصيات القومية والنجوم والأعلام ، هي المعين الذي لا ينضب نبعه، ظل يفرخ ويرفد حيواتنا بالنماذج والقامات التي تفجر مثّل هذه القيم والطاقات عبر الحقب. هذا التمحيص الذي تمر بها بلادنا يحتاج لكل هؤلاء بجهود مضاعفة لتثبيت ممسكات الوحدة الوطنية وعصمها من المنزلقات. هؤلاء هم الركن الركين لانطلاقة حملة التعبئة العامة لاستنهاض هذه الممسكات، لاستعاد هذه القواسم المشتركة، لتحصن سور الأمة من الاختبارات التي نمر بها . نحن بحاجة لإحياء هذه المشتركات وبعث العناصر الخيرة والقوة الناعمة الكامنة لتأمين هذا السياج الذي يتعرض لأكبر هزة وزلزال في تاريخه الحديث.تعزيز هذه الممسكات يتطلب جهودًا مستمرة من الحكومة، المجتمع المدني، والزعماء التقليديين والدينيين لضمان استقرار السودان ووحدته وسلامة أراضيه.