اشكاليات البحث العلمي بالسودان!؟
السفير.د.معاوية التوم
⸻
مقدمة:
ظللت أتابع ازمة البحث العلمي في بلادي، وهي قضية جوهرية مطلوبة بشدة للنماء والتطور، ولها منظومة متكاملة لابد من توفرها لتحقيق روافدها وأصولها لأي نجاح يراد، .حتى قبل هذه الحرب التي استنزفت وتستنزف كل موارد البلاد وقدراتها وجرفت بالنزوح واللجوء والخراب خبراء الامة، يظل الضعف يحيط بجدران منظومة البحث العلمي في السودان. و يمثل البحث العلمي وقياساته إحدى الركائز الأساسية في نهضة الأمم والشعوب وتقدمها. إلا أن السودان، رغم غناه بالموارد البشرية والثروات الطبيعية، لا يزال يواجه تحديات كبيرة في مجال البحث العلمي، الأمر الذي انعكس على قدرته في معالجة قضاياه التنموية والاجتماعية والسياسية. تهدف هذه التقدمة الأولية إلى تسليط الضوء على أبرز الإشكاليات التي تواجه البحث العلمي في السودان والعقبات أمام مسيرته، مع إبراز دوره المحوري في بناء الدولة ومعالجة قضاياها.
أولاً: إشكاليات البحث العلمي في السودان
1.ضعف التمويل:
ضعف منصات البحث الوطنية بالبلاد، وغياب الميزانيات الكافية والدعم اللوجستي وضعف التمويل من الحكومة والقطاع الخاص يؤدي إلى بيئة غير مشجعة للبحث العلمي والأكاديمي والإبداع في كلياته.
2.هجرة الكفاءات:
بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية، يهاجر العديد من الباحثين إلى الخارج، مما يؤدي إلى نزيف في العقول، تاتي هجرة الكفاءات والباحثين إلى الخارج بسبب تدني الرواتب، وعدم توفر فرص البحث والتطوير. وهو اخطر الأدواء بهجرة العقول البشرية للخارج وانزوائها في مخاطبة هموم أمتها.
3.تدني البنية التحتية:
. نقص في الحواضن والمعامل الحديثة، والمختبرات والمعدات والأجهزة الحديثة ، وقلة الإمكانات التكنولوجية، وضعف في مصادر المعلومات، والفنيين المقتدرين.
•ضعف شبكات الإنترنت، وانقطاع الكهرباء يؤثر على استمرارية الأبحاث.
• العديد من الأبحاث تمول من جهات خارجية، مما قد يوجه الأولويات البحثية لخدمة أجندات غير وطنية.
4.غياب الاستراتيجيات الوطنية:
لا توجد رؤية وطنية واضحة تنظم وتوجه البحث العلمي وفقاً لأولويات التنمية، او ايجاد وزارة او هيئة خاصة به .
5.ضعف العلاقة مع القطاعات الإنتاجية:
البحوث الأكاديمية كثيراً ما تبقى حبيسة الأدراج دون تطبيق عملي أو شراكة مع القطاعات الاقتصادية، او ايجاد المنصات العلمية المعنية بتسويقها .بل انه لم يبلغ بعد أهميته على مستوى الجامعات السودانية قاطبة وقدتها على تلبية احتياجات الوطن
6.البيروقراطية الإدارية:
تعقيدات في الإجراءات الإدارية الخاصة بتنفيذ المشاريع البحثية ومساراتها ومصارف التمويل.
ثانياً: أهمية البحث العلمي في بناء الدولة ومعالجة قضاياها
1.توجيه السياسات العامة:
البحوث العلمية تساعد في اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة، خاصة في قضايا الأمن الغذائي، الصحة، والتعليم والصناعات .
2.تحقيق التنمية المستدامة:
من خلال أبحاث في مجالات الزراعة، المياه، البيئة والطاقة.
3.تحسين الاقتصاد الوطني:
. تطوير تقنيات محلية تسهم في رفع الإنتاج وتحسين جودة المنتجات السودانية.
. غياب استراتيجية وطنية واضحة للبحث العلمي.
•ضعف التنسيق بين مراكز البحث، والجامعات، ومؤسسات الدولة
•تراجع مستوى التعليم في الجامعات، وعدم تحديث المناهج بما يتواكب مع متطلبات البحث والتطور.
4.تحقيق العدالة الاجتماعية وبناء السلام:
عبر دراسات تسهم في فهم النزاعات ومعالجتها، وإرساء ثقافة التسامح والتعايش السلمي.
5.تعزيز الهوية الوطنية:
. أبحاث في الثقافة واللغات المحلية تسهم في الحفاظ على التراث، وبناء هوية جامعة.
•البحوث غالباً لا تُترجم إلى تطبيقات عملية.
•غياب الشراكات الفعالة بين الجامعات والقطاع الصناعي
خاتمة:
البحث العلمي ليس ترفاً أكاديمياً بل هو ضرورة وطنية لبناء الدولة السودانية الحديثة. وللنهوض بهذا القطاع، لا بد من وضع استراتيجية قومية واضحة، وتوفير التمويل والدعم السياسي، وتعظيم منظومته وربط الأبحاث بقضايا الدولة والمجتمع واحتياجاتها الفعلية، والاحتفاء بهذه الشراكة .
مقترحات مختصرة:
•تأسيس مجلس قومي للبحث العلمي مستقل بقيادة ملهمة ومبتكرة.
•زيادة الميزانية المخصصة للبحث إلى ٥% من الناتج القومي كحد أدنى.
•تفعيل الشراكات بين الجامعات والمؤسسات والقطاع الخاص.
•إنشاء منصات وطنية لنشر وتوثيق الأبحاث السودانية والاحتفاء بالتميز فيها.
•ضعف الإنتاج الأكاديمي والنشر في المجلات العلمية المحكمة
• معالجة الإجراءات الطويلة والمعقدة للحصول على تمويل أو تنفيذ مشاريع بحثية.
•و غياب الشفافية في التعيينات والترقيات الأكاديمية بحاجة لمعالجة مستدامة .
غياب أثر البحث العلمي أو حجبه في المنتوج الكلي للدولة ينذر بحالة من الإفقار العلمي الخطير للخطط والمشروعات والأولويات التي تحصن استراتيجيات الدولة ومنهجياتها. ويعكس مأساة حقيقية في الأخذ بناصية العلم والمعرفة والمفكرين والباحثين في أعمال الفكر والإمساك بناصية التقدم .وإشكاليات البحث العلمي في السودان متعددة ومعقدة، وتعكس تداخلات اقتصادية، سياسية، اجتماعية، ومؤسسية. حاولت جهدي في إبراز النقاط الرئيسية عند استدعاء هذا المشكل والعمل الجاد لاجل ايجاد مخاطبة وطنية جادة تضع البحث العلمي على رأس أولويات الدولة ، لتحقيق أقصى الفائدة منه في احداث الإختراق المطلوب وفي معالجة هموم الوطن الكبرى و قضاياه على هدي طبيعي مسنود بهذه الغايات.
٩ أبريل ٢٠٢٥م
.