أهم مرتكزات السياسية الخارجية للسودان لفترة ما بعد الحرب!؟
السفير.د. معاوية التوم
السياسة الخارجية هي الآلية التي تستخدمها الحكومات الوطنية لتوجيه تفاعلاتها وعلاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأخرى . وتعكس السياسة الخارجية للدولة قيمها وأهدافها، وتساعد في تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الساحة العالمية .. وهي ايضا انعكاس طبيعي لسياستها الداخلية وترجمة لما يفرضه الواقع المحيط بالبلاد. تقوم سياسة السودان الخارجية منذ الاستقلال ،م
على قواعد أساسية ترسم مصالح البلاد العليا، وما يحقق أمنها القومي وسيادتها . وتتجدد هذه الأسس والمحددات الحادية لها وفقا للأوضاع التي تحيط بالبلاد على الصعيد الداخلي ومجرياته او ما يتوافق اقليميا ودوليا من واقع الانشغالات الدولية. ولكن الواقع الذي خلفته حرب ابريل ٢٠٢٣ التي شنتها قوات الدعم السريع المتمردة ومن يناصرونها بالداخل والخارج ، في عدوانها المفتوح على البلاد، تستوجب نظرة أكثر شمولية وعمقا يستدعي كل رصيد الماضي والحاضر لاستشراف المستقبل على هدى التحديات الماثلة التي تواجهها البلاد. وبتقديري فإن الوثيقة الضابطة لسياسة السودان الخارجية ومرتكزاتها لمرحلة ما بعد الحرب تُبنى عادةً على متغيرات داخلية وإقليمية ودولية، خاصة في ظل الحاجة إلى إعادة الإعمار، والتاهيل والتعمير، وتحقيق الاستقرار السياسي، واستعادة مكانة الدولة في المجتمع الاقليمي و الدولي. وفي هذا السياق، يمكن تلخيص أهم مرتكزات السياسة الخارجية للسودان ما بعد الحرب على النحو التالي:-
مقدمة
تمثل المرحلة الانتقالية لما بعد الحرب فرصة تاريخية لإعادة صياغة السياسة الخارجية للسودان بما يخدم المصالح الوطنية العليا، ويستند إلى الواقعية السياسية، والتوازن في العلاقات الدولية، والانفتاح على العالم، مع الحفاظ على السيادة الكاملة للدولة. وعليه، فإنه يتوجب على السودان أن يتبنى سياسة خارجية مبنية على المبادئ التالية:
أولاً: السلام والاستقرار الداخلي كأساس للعلاقات الدولية
جوهر الشرعية الدولية يبدأ من الداخل في التعامل مع المؤسسات الدولية والمنظمات الاقليمية ، وقضية الحرب والسلام التي تقف على رأس الانشغالات الوطنية. ولتحقيق هذه الغاية يقوم هذا المحور على الأولويات التالية ؛
1. جعل انهاء الحرب واستكمال السلام الشامل والمستدام أحد ركائز السياسة الخارجية.
2. دعم جهود المصالحة الوطنية، وبناء المؤسسات الديمقراطية بالتعاون مع الشركاء الدوليين.
3. السعي للحصول على الدعم الفني والمالي واللوجستي من المجتمع الدولي لإعادة الإعمار، ونزع السلاح، والتسريح وإعادة الدمج (DDR) بالنسبة للحركات المسلحة.
ثانياً: الانفتاح المتوازن وإعادة التموضع الدولي
ولأجل التوازن في علاقاته الخارجية : على السودان ألا ينحاز بشكل حاد لأي محور دولي ، بل يبني سياسة قومية تعتمد على المصالح الوطنية العليا بمقاصدها المتعددة لا الأيديولوجيات.
1. انتهاج سياسة خارجية متوازنة تقوم على مبدأ “عدم الانحياز” وتحقيق المصالح الوطنية.
2. إعادة بناء العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف مع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية.
3. استئناف عضوية السودان الفاعلة في المنظمات الدولية (الأمم المتحدة وهيئاتها ، الاتحاد الإفريقي، جامعة الدول العربية، الإيغاد، الكوميسا، إلخ).
ثالثاً: التكامل الإقليمي والتعاون مع دول الجوار:
بحسبان السودان يقف كجسر رابط بين أفريقيا والعالم العربي:، وهذه ميزة استراتيجية يجب توظيفها لتعزيز التجارة، والتبادل الأمني، والتنسيق في ملفات الهجرة واللاجئين، يتوجب الآتي :
1. تعزيز العلاقات مع دول الجوار على قاعدة المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
2. تفعيل آليات التعاون الحدودي لمكافحة التهريب والجريمة المنظمة والإرهاب والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر .
3. دعم الجهود الإقليمية لحل النزاعات، والمشاركة الفاعلة في مبادرات السلام الإقليمية.
رابعاً: توظيف السياسة الخارجية لخدمة التنمية الاقتصادية
1. الترويج للسودان كوجهة جاذبة للاستثمار، وتوقيع اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف لحماية الاستثمارات.
2. استخدام القنوات الدبلوماسية لحشد الدعم المالي والمساعدات الإنمائية من الشركاء الدوليين.
3. السعي لإعفاء أو إعادة هيكلة ديون السودان، والانخراط الفاعل في المبادرات المالية الدولية (مبادرة الهيبك، نادي باريس).
خامساً: حماية السيادة الوطنية وتعزيز القرار الوطني المستقل
رفض التدخلات الأجنبية السلبية: خصوصًا تلك التي تدعم أطرافًا مسلحة أو تؤجج الصراع الداخلي، أو تسوق لمشروعات وأجندات خارجية.
• ضبط الخطاب السياسي: الخطاب الخارجي يجب أن يكون عقلانيًا، واقعيًا، يرفض الإملاءات لكنه منفتح على التعاون ومستوعب لصراع الإرادات وتقاطعات المصالح للدول النافذة .
• الملف القانوني الدولي: إدارة علاقات السودان مع المحكمة الجنائية الدولية بذكاء دبلوماسي استثنائي لحفظ المصالح الوطنية دون الدخول في عزلة دولية، أو تمكينها من رقبة البلاد.
1. التأكيد على رفض التدخلات الأجنبية السلبية، والتعامل بحزم مع أي تهديدات لوحدة وسيادة و أمن السودان.
2. انتهاج دبلوماسية هادئة ومرنة في التعامل مع الملفات السيادية والحساسة (مثل ملف المحكمة الجنائية الدولية).
3. الدفاع عن المصالح الوطنية في المحافل الدولية بما يعزز كرامة الدولة وعزة شعبها واستقلالية قرارها.
سادساً: تفعيل أدوات الدبلوماسية الاقتصادية والثقافية
1. اعتماد نهج “الدبلوماسية الناعمة” عبر التبادل الثقافي، والترويج للتراث السوداني، وتوسيع دور مراكز الدراسات والثقافة في الخارج
2. تحويل السفارات إلى مراكز دعم اقتصادي وتجاري، تُروّج للفرص الاستثمارية وتخدم رواد الأعمال وتعظيم الفرص الجاذبة للمستثمرين .
3. إشراك السودانيين بالخارج في جهود التنمية والدبلوماسية الشعبية العامة، عبر تنظيم الجاليات وبناء شبكات النفوذ الاقتصادي
سابعاً: التفاعل المسؤول مع القضايا العالمية
1. الانخراط الإيجابي في القضايا الدولية الكبرى (المناخ، الهجرة، الأمن الغذائي، الصحة العالمية والبيئة).
2. إظهار التزام السودان بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وسيادة القانون، والعدالة الانتقالية.
3. الاستفادة من الأطر الدولية لدعم الفئات المتأثرة بالحرب، خاصة اللاجئين والنازحين، بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة والأطر الاقليمية ذات الصلة.
الخاتمة
إن الظرف الاستثنائي الذي كرسته معاناة الحرب وويلاتها يملي واقعا جديدا في رسم وصناعة السياسة الخارجية السودانية لما بعدها. على أسس جديدة، وأفكار واقعية ترتكز على تحويل سالب هذه التعقيدات والتحديات إلى فرص، واستثمار الموقع الجغرافي والعمق الحضاري والإقليمي لبناء دولة متماسكة ذات سيادة قوية، واقتصاد منفتح، وشراكات استراتيجية، تضع مصلحة الشعب السوداني أولاً، وأجندات الداخل على رأس الأولويات. وتسهم بفاعلية في محيطها الإقليمي والدولي.ولأجل هذه الأهداف بالتاكيد هنالك عوامل ومعطيات فرضت الانعطاف لاعمال هذا التحول ، لاشك أنها ستكون حاضرة في عقلية ورؤية من يقومون بصناعة السياسة الخارجية للبلاد والوزارات والمؤسسات الوطنية التي تتشارك في رسمها.