إعادة توجيه السياسة الخارجية السودانية لما بعد الحرب: بين محددات الداخل وضغوط الخارج !؟
السفير.د.معاوية التوم
مقدمة:
هذا العنوان مهم للغاية ومطلوب بإلحاح في أبعاده المستقبلية ويندرج ضمن الدراسات الاستراتيجية المعاصرة، خاصة في ظل ما يشهده السودان من تحولات جذرية عميقة بسبب الحرب المفروضة عليه . تتعلق بصياغة الإطار النظري أو الفكرة العامة حوله، وهو التدخلات الأجنبية.
سيما وأن السودان يمر بمرحلة مفصلية في تاريخه السياسي، إذ أعادت الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 تشكيل الخارطة الجيوسياسية الداخلية، كما أعادت فتح الأسئلة الكبرى حول هوية الدولة السودانية، وطبيعة علاقاتها الإقليمية والدولية، وأولوياتها في ما بعد النزاع. وفي هذا السياق، يصبح من الضروري التفكير في محددات وموجهات السياسة الخارجية السودانية في مرحلة ما بعد الحرب، التي أشرت لبعضها في مقالي الأخير، بما يضمن إعادة الاندماج في المجتمع الاقليمي و الدولي، واستعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتحقيق التنمية المستدامة .
والمعلوم أن السودان، شهد منذ ثورة أبريل2019، تحولًا جذريًا في بنيته السياسية، سرعان ما تعثر أو كاد بختطف تحت وطأة الصراع المسلح الذي أشعلته قوات الدعم السريع المتمردة في أبريل 2023 ضد القوات المسلحة السودانية بغرض الاستيلاء على السلطة بالقوة, ومصادرة الحكم فيه . وبينما تداخلت الحسابات المحلية مع الإقليمية والدولية، أصبحت السياسة الخارجية السودانية ميداناً للصراع على النفوذ، وتجلّت التدخلات الأجنبية بشكل مباشر أو غير مباشر في إعادة تشكيل مواقف السودان الخارجية، بل وحتى في تقرير مستقبله السياسي.
في هذا السياق، تبرز ضرورة تحليل محددات وموجهات السياسة الخارجية السودانية لما بعد الحرب ضمن إطار العلاقة الجدلية بين الداخل والخارج، وضمن فهم وطني معمق لطبيعة التدخلات الأجنبية ومكامنها وأثرها، وكيفية الحد منها وتوجيهها.
أولاً: محددات السياسة الخارجية في السودان ما بعد الحرب وتأثرها بالتدخلات الأجنبية
1. طبيعة النظام السياسي القادم:
أحد أهم العوامل التي ستحدد مسار السياسة الخارجية، حيث تتنافس قوى خارجية لدعم أنظمة حليفة لمصالحها. على سبيل المثال، تدعم بعض الدول الخليجية أو الإقليمية أطرافاً بعينها لضمان نفوذها في الموانئ، الزراعة، أو الأمن الإقليمي(شراكة الإمارات والدعم السريع وتشكيلات قحت المتناسلة ).ولذلك وجهة النظام الهجين في المرحلة الانتقالية هي الأدعي للصمود والنجاح ، وأوفر معقولية من المدني الكامل أو العسكري ، وفق برنامج وطني يتجاوز المتاريس التي تخيم على المشهد الداخلي وحالة التردد في اختبار الحكومة القومية . اضافة الي تعزيز الوضع الامني ومطلوبات تثبيت الاستقرار .
2. إعادة بناء الاقتصاد والدولة:
تدخلات الدول الكبرى والمؤسسات الدولية غالبًا ما ترتبط بشروط سياسية واقتصادية، ما يجعل توجهات السودان الخارجية مرتبطة بدرجة اعتماده على الدعم الخارجي، والمشروعات الأجنبية التي تمتطي صهوة جواد بعض القوى الداخلية كما عليه الحال الان .والراجح هو الاعتماد على الموارد الذاتية ما أمكن وتعظيمها بزيادة الإنتاج وتنوعه والسودان له قدرات كافية.
3. التحالفات العسكرية والسياسية:
خلال الحرب، تحوّل السودان إلى ساحة نفوذ بين قوى مثل بريطانيا ، روسيا، الإمارات، مصر، تركيا، الولايات المتحدة، وإسرائيل. هذا الواقع يفرض تحدياً في تبني سياسة خارجية متوازنة في المستقبل، من واقع كثافة التدخلات وتقاطعات مصالحها، بعيدًا عن التحالفات الأيديولوجية أو الارتباطات التاريخية الخارجية غير المجدية.
ثانيًا: موجهات السياسة الخارجية في مواجهة إرث التدخلات الأجنبية
1. استعادة السيادة والاستقلالية:
يجب أن تقوم السياسة الخارجية على مبدأ رفض التبعية لأي محور، وبناء علاقات متوازنة مع كل الأطراف، بما يحقق مصلحة السودان أولاً.
2. إعادة تموضع السودان إقليميًا:
هذه ميزة تفضيلية لبلادنا يمكن الافادة منها عبر استغلال موقعه الجيوسياسي لتعزيز دوره كجسر بين العالم العربي والقرن الإفريقي، واطلالته على ساحل البحر الأحمر، بدل أن يكون ساحة صراع بين المحاور. والعمل على استعادة موقعه الطبيعي كمحور فاعل ومؤثر في المنطقة الأفريقية والعربية.
3. اعتماد سياسة المصالح البراغماتية:
لابد من سياسة الحياد الايجابي، بمعنى تجاوز الاعتبارات الأيديولوجية أو الارتباطات التاريخية، والتركيز على ما يحقق مكاسب اقتصادية وأمنية مباشرة ذات مردود آمن.
4. تبني سياسة خارجية ذات بعد شعبي:
التركيز على دبلوماسية المصالح المطلقة لا الولاءات هي جوهر مسيار الحلول واعادة الثقة ، أي ضرورة أن تعكس السياسة الخارجية تطلعات السودانيين ورغبتهم في السلام المستدام، التنمية، والديمقراطية، لا أجندات الخارج أو نزوات النخب أو التيارات الأخرى التي تسعي لتفكيك المؤسسة العسكرية ، لذا من الاهمية بمكان الحرص على شراكة وطنية داخلية مستدامة تجعل السلام والاستقرار على رأس الأولويات وتفتح الطريق أمام الإعمار والتنمية . ورفع قدرات الدولة الذاتية وتماسكها لتقليل تأثير العقوبات الدولية أو برامج المساعدات والمنح على محدوديتها.
خاتمة:
نخلص الي أن أي تصور للسياسة الخارجية السودانية في مرحلة ما بعد الحرب لا يمكن أن يكون بمعزل، أو يتجاهل واقع التدخلات الأجنبية، التي تبرز في أكثر من تيار ووجهة، وإن كان بعضها ضروريًا لدعم السلام وإعادة الإعمار والتعمير من قبل الأصدقاء ، إلا أن كثيرًا منها كان سببًا في تعقيد الأزمة وسبل الحل في آن واحد. وبالتالي، فإن إعادة رسم السياسة الخارجية على هدى هذه المعطيات، يجب أن تكون فعلًا وطنيا سياديًا مبنيًا على قراءة دقيقة للمحددات الداخلية، وتوازن حذر في مواجهة الضغوط الخارجية ومنصات الضغط الخارجي. يضع الأجندات الوطنية والمشروع الوطني القومي في المقدمة دون اكتراث للتيارات والأجندات الخارجية التي تبتغي استدامة الهشاشة والعزلة السياسية وحالة اللا استقرار والإفقار والخراب. وهي دعوة للجهات الفاعلة في رسم وصناعة السياسة الخارجية وآليات تنفيذها . و أيضا لأهل الخبرة والاختصاص من دبلوماسيين وأكاديميين وساسة من أبناء الامة للتباري الموجب فيما يمتن سياجنا الوطني ويحفظ وحدة البلاد وسيادتها وأمنها.
⸻
٢١ أبريل ٢٠٢٥م