لماذا تجاهل دونالد ترمب السودان في محادثات السلام؟ سؤال هيدسون وإجابة الواقع الماثل !؟
السفير.د.معاوية التوم
⸻
في تعليق لافت، طرح الخبير الأميركي في الشأن السوداني كاميرون هيدسون ، بخبرته الاستخباراتية والدبلوماسية سؤالًا بسيطاً في ظاهره، عميقاً في دلالاته السياسية والاستراتيجية ولكنه بسخريه قائلا : “لماذا يتجاهل ترمب السودان في محادثات السلام، بينما ينخرط بنشاط في ملفات دولية من كييف إلى اليمن وغزة وسوريا وطهران وكشمير ؟” سؤالٌ يُسلط الضوء على تباينات السياسة الخارجية الأميركية حين تُقاد بعقلية الصفقات.
إن عقلية الرئيس دونالد ترمب، سواء في ولايته الأولى أو في حملته المستمرة للعودة إلى البيت الأبيض، تقوم على مبدأ “أميركا أولاً”، ولكن ليس بالمفهوم المؤسساتي التقليدي، بل بمنطق رجل الأعمال الذي يسعى للربح العاجل والرمزي. ومن هذا المنظور، فإن السودان لا يمثل صفقة رابحة، حيث تغيب المصالح الاستراتيجية والاقتصادية المباشرة. ترمب، في نسخته الأولى كرئيس، وجّه السياسة الخارجية بعقلية “رجل الأعمال” أكثر من كونه رجل دولة، واضعًا المصالح الأميركية أولاً—ولكن بالمعنى الضيق: عقود، نفط، سلاح، صفقات تطبيع.
السودان، رغم موقعه الجيوسياسي، بهذا المفهوم لا يمثل في نظر ترمب “صفقة مربحة” بالمعايير الاقتصادية أو الأمنية الأميركية المباشرة، خصوصًا وهو يعاني من انهيار اقتصادي وأزمات داخلية معقدة.
ومن جهة ثانية، يعاني السودان من أزمة داخلية عميقة: وحرب ، شلل اقتصادي، تفكك مؤسسي، وغياب الارادة الموحدة التي يمكن التعاطي معها بوضوح. لا طرف مسيطر برؤيته رغم انتصار الحيش عسكريا ، ولا مسار دبلوماسي ناضج، ولا إمكانية لمكاسب رمزية سريعة كتلك التي وفرتها اتفاقيات التطبيع مع الإمارات أو جولة الشرق الأوسط .
ومن جهة أخرى، فإن السودان لا يشكل تهديداً مباشراً للمصالح الأميركية أو الإسرائيلية في الوقت الراهن ، كما تفعل إيران أو الحوثيون في اليمن وحماس في غزة . لذا فهو خارج أولويات ترمب التي تُبنى على قاعدة: أين الخطر؟ وأين الربح؟ ترمب كان يربط الكثير من تحركاته في الشرق الأوسط بتعزيز التحالف مع إسرائيل، كما في اتفاقيات أبراهام. السودان كان في طور التفاوض للتطبيع لكن ببطء وبمقاومة داخلية، ولم يكن ملفه ناضجًا بما يكفي ليُوظّف كـ”نصر سياسي” سريع لتلميع صورته كما حصل مع الإمارات والبحرين والمغرب
الأهم من كل ذلك أن السودان، رغم موقعه الجيوسياسي الحساس، يفتقر للنفوذ الاقتصادي أو الأمني أو الإعلامي الذي يمكن أن يُستثمر داخلياً في أميركا. فلا جالية سودانية مؤثرة انتخابياً، ولا ضغط من لوبيات نافذة، ولا ملف يمكن بيعه كـ”نصر دبلوماسي” في الإعلام الأميركي. فضلا عن الأوضاع الداخلية المتداعية بسبب الحرب، ونفوذ حلفائه بالاقليم في رعاية الصراع وتغذيته . الفترة الانتقالية في السودان بعد 2019 كانت مرتبكة، والسلطة فيها موزعة بين (المدنيين والعسكريين)، مما يجعل التحاور مع طرف موحد صعباً. ترمب لم يكن مهتماً بالخوض في تعقيدات دول غير مستقرة داخلياً، خصوصاً إن لم تكن تُنتج له مكاسب انتخابية أو اقتصادية سريعة المردود.
تجاهل ترمب للسودان رغم انخراطه في محادثات سلام بين إسرائيل وحماس وايران والحوثيين وكييف وموسكو وباكستان والهند، ، إذن ليس صدفة، بل نتيجة منطقية لمنهج سياسي واقتصادي يرى في السياسة الخارجية مجالاً للعوائد السريعة لا لبناء التوازنات طويلة الأمد. وعلى السودان، إن أراد أن يصبح حاضراً في أجندة القوى الكبرى، أن يُعيد صياغة موقعه في النظام الإقليمي والدولي من موقع الفاعل لا الضحية فقط. الفترة الانتقالية في السودان بعد 2019 كانت هشة ومرتبكة، والسلطة فيها موزعة وموضع صراع ممتد، مما يجعل التحاور مع طرف موحد صعباً. لذلك ترمب لم يكن مهتماً أو راغبا في جعل السودان ضمن اولوياته في المرحلة الاولى من دورته الثانية.
خلاصة
بالعقلية الترمبية: السودان دولة ضعيفة رغم عظم الموارد ، وهو بلا موارد قابلة للاستثمار السريع والأهمية البالغة، وغير مؤثرة في الداخل الأميركي انتخابياً أو إعلامياً، ولا تقدم مكاسب رمزية كبرى. لذلك، من المنطقي وفق هذه الرؤية تجاهله ما لم يتحول إلى ورقة في يد أحد الخصوم أو اللاعبين الكبار، وهذا وان بدأ متعمدا إلا أنه يشيء بأهمية إقليمية كبرى من خلال الحرب المفروضة عليه والكلفة البشرية المادية التي ترتبت عليها . وتكمن الاهمية في هذا الانتصار الذي سطرته الإرادة السودانية جيشا وشعبا على كل الرعاة الذي أرادوا قهره بالحرب والدمار والإفقار . إلا أنه قلب الطاولة هزمهم بالصمود والانتصار وجعل المعادلة ترجح كفة الضغوط عليه مرة اخرى، ولكن يكون الاتهام الأمريكي باستخدام السودان أسلحة كيمائية إلا نقطه تحول اخرى تستبطن محاولات للتوجه والتشكيل المدني الذي ينتظمه الان !؟