الحرب الإسرائيلية الإيرانية: نهاية مرحلة أم بداية لواقع جديد يتشكل!؟
تحليل سياسي
السفير.د.معاوية التوم
تُعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية بمظاهرها المباشرة وغير المباشرة واحدة من أخطر التحولات التي يشهدها الشرق الأوسط منذ عقود. فبعيداً عن طبيعة الصراع التقليدية التي سادت خلال السنوات الماضية، والمتمثلة في المواجهات غير المباشرة عبر وكلاء وأذرع متفرقة، فإن التصعيد الراهن يوحي بتحوّل نوعي في طبيعة التوتر بين طهران وتل أبيب، بما يطرح سؤالاً جوهرياً: هل نحن أمام نهاية لمرحلة مضطربة من المناوشات الإلكترونية السيبرانية عبر رافعة عسكرية ؟ أم بداية لواقع استراتيجي جديد يتجاوز حدود الصراع التقليدي وتموضعاته؟ سيكشف عن رمزية جديدة تُرسم فيها خرائط النفوذ والمصالح بالقوة العارية؟
ويتجاوز هذا الصراع مجرد الخلافات الظاهرة حول البرنامج النووي الإيراني أو دعم طهران للفصائل المسلحة، إذ إنه يمتد إلى تناقض بنيوي في الرؤية الإقليمية بين دولة تعتبر نفسها “راعية للثورات والمقاومة” كإيران، وأخرى تسعى لتكريس التفوق والهيمنة كإسرائيل.
• إيران تسعى لبناء محور نفوذ يمتد من طهران إلى بيروت، مروراً ببغداد ودمشق وغزة. فيما ترى
• إسرائيل في هذا التمدد وخوضها للحرب تهديداً وجودياً يتطلب استباقه وضرب مراكز ثقله.
تصعيد غير مسبوق
شهدت السنوات الأخيرة انفلاتاً تدريجياً في قواعد الاشتباك المعهودة بين الطرفين. فإسرائيل كثّفت ضرباتها داخل سوريا ضد مواقع إيرانية، وامتدت يدها إلى العراق ولبنان واليمن، وفلسطين، ونفذت عمليات نوعية في قلب طهران شملت اغتيال علماء نوويين وتخريب منشآت حيوية. من جانبها، عززت إيران حضورها في محور المقاومة، وفعّلت أذرعها المسلحة من اليمن إلى لبنان مروراً بالعراق وغزة، حتى باتت المواجهة تأخذ طابعًا مفتوحًا يمتد من البر إلى البحر ومن الفضاء الإلكتروني إلى الأرض.
من حرب بالوكالة إلى مواجهة مباشرة
التحوّل الأهم هو انكشاف نية الطرفين للذهاب نحو مواجهة مباشرة – وإن كانت محدودة ومضبوطة – دون وسيط في مراحلها الأولى ، ما يعني أن قواعد “الحرب بالوكالة” قد سقطت أو على الأقل تم تجاوزها مؤقتًا. هذا الانفتاح على المواجهة يرفع من احتمال الانزلاق إلى صراع واسع النطاق، خصوصًا في ظل هشاشة الوضع في الساحات المشتعلة أساساً.
المتغيرات الدولية والإقليمية
ثمّة جملة من التحولات تسهم في إعادة تشكيل البيئة المحيطة بالصراع بغض النظر عن مكاسب وخسائر الطرفين :
• برز الدور الأمريكي مجددا كضامن أمني تقليدي، رغم الضعف الذي لازم قدرة واشنطن على ضبط إيقاع الصراع في بداياته . او متابعته حتى نقطة فارقة، ليأتي تدخلها في النهاية حاسما بالقوة( لاجل السلام) بلوغها ل مقتضيات هذه المرحلة ، وإعلان وقف لإطلاق النار بين الطرفين .
• صعود روسيا والصين كلاعبين ذوي مصالح في المنطقة، جعل الأطراف الإقليمية أكثر استقلالًا في قراراتها، وأقل خضوعًا للضغوط الغربية، التي حيدت في الصراع الماثل .
• تداعيات حرب غزة الأخيرة (2023–2024) التي رفعت منسوب التصعيد إلى مستويات غير مسبوقة، ودفعت إيران إلى تعزيز دعمها العلني لحلفائها.
نهاية مرحلة أم بداية أخرى؟
قد يرى البعض أن هذا الانفجار هو ذروة الصراع، ونهاية لمرحلة طويلة من التوترات منذ ١٩٧٩. لكن المعطيات تشير إلى العكس؛ فالمواجهات المتصاعدة تشكل مقدمات لـ”نظام إقليمي جديد”، لا يُبنى بالتفاهمات بل بالقوة وتسابق التسليح بمختلف فضاءاته.
ملامح الواقع الجديد
• ساحات اشتعال متداخلة: من البحر الأحمر إلى لبنان، مرورًا بسوريا والعراق، واليمن، وحتى السودان، باتت الجغرافيا الإقليمية مفتوحة أمام استثمار التصعيد.
• أمن بحري مهدّد: ازدياد أهمية المضائق والممرات المائية والقواعد العسكرية ، ما يجعلها ساحة رئيسية في هذا الصراع، سواء عبر استهداف السفن أو عبر تهديد حركة التجارة العالمية.
• تآكل الدول المركزية: التدخلات الخارجية وانهيار السيادة الوطنية في بعض الدول يهيئ الأرضية لصراعات طويلة الأمد.
في الخلاصة
لسنا أمام نهاية، بل على الأرجح أمام بداية لصراع طويل الأمد رغم وقف إطلاق النار الذي يتوقع ان يتعثر وتصيبه انتكاسات، لكن بطبيعة الحال سيعيد ترتيب موازين القوى في الإقليم. وقد تكون هذه الحرب بداية لعصر جديد من الفوضى المحكومة والخرائط المتغيرة. لكن السؤال الأخطر الذي يظل معلقاً: هل تدرك الأطراف الفاعلة فيه حدود اللعب بالنار؟ أم أن المنطقة مقبلة على مرحلة “انفجار مستمر” لا تُعرف مآلاته؟ ومنفتح الأسقف والتحالفات . و هل تملك الأطراف الفاعلة، الإقليمية والدولية، حقا الإرادة لإدارة هذا الواقع الجديد بعقلانية، أم أن المنطقة مقبلة على عقد من “الانفجار المحكوم؟.