هدنة الفاشر: دلالات إنسانية وسياسية وأمنية في ضوء إحاطة العمامرة واتصال د. كامل إدريس بغوتيريش!؟
السفير.د. معاوية التوم
في لحظة مفصلية تعكس حالة التراجع المريع للأوضاع الإنسانية في غرب السودان ، ولا سيما في دارفور، قدم مبعوث الأمين العام الشخصي للامم الامتحدة إلى السودان، رمضان العمامرة، إحاطة شاملة أمام مجلس الأمن اليوم الجمعة ، حذر فيها من انهيار الأوضاع في مدينة الفاشر واحتمال اتساع رقعة الكارثة إلى الإقليم والمنطقة. تزامن ذلك مع إعلان الحكومة السودانية موافقتها على طلب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لرئيس لهدنة إنسانية لمدة أسبوع في الفاشر، المدينة المحاصرة منذ أكثر من عام ، في اتصاله برئيس مجلس السيادة.
ويأتي هذا التطور بعد أقل من أسبوع على اتصال رسمي أجراه رئيس الوزراء السوداني ، د. كامل إدريس، مع الأمين العام غوتيريش، تناول خلاله تطورات الوضع الإنساني بالبلاد، ودعا فيه إلى مزيد من الجهد الأممي العاجل لوكالات المنظمة الدولية المتخصصة لممارسة اختصاصاتها وزيادة انخراطها الايجابي بما يؤمن حماية المدنيين ، ووقف استهداف النازحين والبنى التحتية الطبية خاصة.
وتفاقمت التحذيرات الأممية بعد الهجوم الأخير الذي شنّته قوات الدعم السريع على معسكر زمزم للنازحين جنوب الفاشر، والذي أسفر عن مقتل وجرح عدد من المدنيين، وسط مشاهد مأساوية لفرار العائلات من المخيم نحو العراء، مما يؤكد انهيار كل الخطوط الحمراء في الحرب الجارية. اضافة الي استمرار المليشيا في قصف الأعيان المدنية ومواصلة حصارها للمدينة . وان استجابة رأس الدولة الفورية ،وهذا التواصل مع قمة المؤسسة الدولية يعكس جملة من التطورات الموجبة تجاه السودان ، محفزة للحكومة وجهودها في تعزيز التفاهمات معها لاجل السلام والاستقرار واستكمال أولى العتبات فيتجاوز ويلات الحرب.
في ضوء هذه المعطيات، فإن الهدنة المعلنة، وإن كانت محدودة زمنيًا، إلا أنها تعكس دلالات إنسانية وسياسية وأمنية عميقة يمكن لها ان تستمر وتقود لما بعدها من خطوات ، يمكن تحليلها على النحو التالي:
أولًا: دلالات إنسانية صارخة
• إن استجابة الحكومة السودانية للطلب الأممي تعكس إقرارًا رسميًا بخطورة الوضع الإنساني في الفاشر، بعد أن أصبحت المدينة رمزًا للكارثة، بين الحصار، القصف، ونقص الغذاء والماء والدواء.
• تمثل الهدنة نافذة أمل للمنظمات الإنسانية، لإيصال الإغاثة، وإنقاذ الجرحى، وإخلاء العالقين في مناطق القتال، خصوصًا في ظل تقارير أممية تفيد بانهيار شبه كامل للنظام الصحي في المدينة. مهما كانت نية التمرد من ورائها و قد ظل يحشد لاسقاط الفاشر وجعلها عاصمة للدولة التي يحلمون بها في غرب البلاد!.
• كما أن الهجوم على معسكر زمزم يبرز الحاجة الملحة لحماية مخيمات النزوح التي تحوّلت إلى أهداف مباشرة، بدلًا من أن تكون ملاذات إنسانية.
ثانيًا: أبعاد سياسية متشابكة
• تأتي الموافقة على الهدنة في لحظة سياسية دقيقة تسعى من خلالها الحكومة السودانية لكسب التعاطف الدولي لاجل مواطنيها وتتعامل هنا بمسؤولية وتعاون غير مشروط ، خاصة مع تزايد الاهتمام العالمي بما يجري في دارفور. ومع خطى السلام التي تقودها الادارة الأمريكية حاليا ، حيث كان لافتا في حفل التوقيع الذي جرى بالبيت الأبيض الأبيض اليوم بين الكنغو و رواندا برعاية أمريكية. ووردت فيه اشارات ان السودان سيكون محور اهتمام ترامب في افريقيا في المرحلة القادم بعد غزة واوكرانيا وايران.
• اتصال د. كامل إدريس مع الأمين العام غوتيريش يضع الأزمة في إطارها الصحيح: كارثة إنسانية تتطلب تدخلاً دوليًا موجبا ومتسقًا وحازمًا، وليس مجرد إدانات لفظية. والتزاما حرفيا بالقانون الدولي الإنساني.
• كما أن إحاطة العمامرة أعادت ملف السودان إلى طاولة اهتمام مجلس الأمن بعد فترة من التجاهل والتراجع الأممي، ما قد يفتح الباب لمسار تفاوضي أوسع أو لمبادرة سلام مدعومة دوليًا. من خلال ما ورد في كلمتي المندوب الروسي والأمريكي بإعطاء قوة دفع لخارطة الطريق التي وضعتها الحكومة ، وضرورة فتح المسارات الإنسانية وازالة العوائق خاصة التأشيرات للمسئولين الأمميين .
ثالثًا: دلالات أمنية مقلقة
• تعكس الهدنة القلق العميق من احتمالية سقوط مدينة الفاشر بالكامل بيد الميليشيا، او هكذا تتمنى، ما قد يؤدي إلى مجازر جماعية على غرار ما حدث في الجنينة.
• تشير المعطيات الميدانية، بما في ذلك الهجمات المتكررة على معسكرات النزوح والمرافق الطبية، إلى أن سهام التمرد تجاوزت كل المعايير الأخلاقية والإنسانية، ما يهدد بانهيار تام للنسيج المجتمعي.
• إن عدم وجود آلية دولية فعالة للضغط على التمرد ورعاته ولمراقبة تنفيذ الهدنة، يزيد من المخاوف من استغلالها لإعادة التموضع أو التحشيد العسكري، وليس لإغاثة المدنيين.كما تشير حركة حمدوك الأفريقية ومخرجاتها من جنوب أفريقيا في سعيه للعودة للواجهة.
خاتمة: ما بعد الفاشر؟
تشكل هدنة الفاشر، والاتصالات التي جرت بدفع أممي واستجابة حكومية، اختبارًا حقيقيًا لإمكانية إحداث اختراق إنساني في الحرب المفروضة على البلاد من قبل التمرد وأعوانه ورعاته الكثر . لكن مصداقية هذه الخطوة ستقاس بمدى التزامهم بها، وقدرة المجتمع الدولي على تحويلها إلى مقدمة لحماية حقيقية للمدنيين ولتثبيت الامن والاستقرار وإخراجهم من الفاشر ، لتنعم بالسلم والامان وتلحق بركب الانتصارات . لا ان تحول الي نقطة لاعادة التموضع وإنتاج مجاميع التمرد العسكرية والسياسية ونسف الجهود التي تتكامل الان في بناء الجهاز المدني بالدولة . وقد جربت الهدن على ايام اتفاق جدة ل ٨ مرات ولم تكن هنالك الية للآمرة والسيطرة على مرتزقة التمرد وجنودهم المنفلتين وممارساتهم اللا إنسانية بحق المدنيين .
إن صوت الفاشر يرتفع اليوم في قاعة مجلس الأمن، لا من خلال الكلمات والتحول التاتيكي، كطريقة تعامل المجتمع الدولي مع الحرب في السودان. لتظل الفاجعة مستمرة عبر دماء الأطفال ودموع النساء المحاصرات والفظائع التي ترتكب من قبل المليشيا بحق المدنيين هناك . وما لم يُترجم القلق الأممي وطلبهم للهدنة، إلى تحرك عملي و إنساني جوهري سريع وفعال ، فإن المأساة الإنسانية مرشحة للتكرار في مدن وقرى سودانية أخرى. ويخشى ان أن تمثل الفاشر نقطة انكسار إنساني وأمني ودولي، تستدعي تدخلاً أكثر فعالية وإعادة ترتيب أولويات التعاطي مع الحرب الآثمة بنحو يعكس الإرادة الدولية الحقة وإنسانيتها التي عززها الميثاق والمباديء الحادية لعملها دون تسييس او محاباة وتمييز..