أسس توحيد الوجدان الجمعي لدى السودانيين !؟ً
السفير.د.معاوية التوم
رأيت من الاهمية بمكان مخاطبة هذه الجزئية الهامة في اعادة النظر لوجداننا الجمعي دون تعصب أو انكار لما يعتمله من تشوهات تحتاج الي وقفة. وليس بصعيب أو عصي على التداوى أو المعالجة أن نعير هذه الإشكالية حقها من التداول الراشد، و نؤسس لوجدان جمعي سليم، يتجاوز بنا حالة الخصومة والجفوة والتنافر والمكايدات المفتعلة والمصطنعة في كثير من الأحيان بين أبناء أمتنا. وليس مبررا هذه الأحاسيس بالتهميش والإقصاء واستدعاء القبيلة والجهوية والعرقيات والعصبيات، والانكفاء على مظانها وإسقاطاتها في واقعنا و في الشأن القومي العام، وجعلها كوابح تحول دون التلاقي والتعايش وتكامل النسيج الوطني والاستثمار في التنوع داخل الهوية الواحدة وتماسكها.لاشك أن هنالك أنماطا من السلوك الفردي تسقط على بعض القضايا والتعاطي المجتمعي لها مسببات جزء منها تاريخي وبعضها نفسي، وربما الفوارق والحواجز التي أوجدت بفعال تراكمية لم تكن منهجا ولا سياسة ولا قيدا لإحداث هذا التباين الذي نعيشه في بعض حيواتنا.
والضمير الجمعي أو الوعي الجمعي هو مصطلح
في علم النفس ابتكر من قبل عالم الاجتماع الفرنسي/ إميل دوركايم (1858-1917) ليشير إلى المعتقدات والمواقف الأخلاقية المشتركة والتي تعمل كقوة للتوحيد داخل المجتمع.[1] ومن الممكن أن يعزى الضمير الجمعي كترجمة أفضل لفكرة دوركايم وذلك يكون جزئياً بسبب ارتباط كلمة «الضمير» مع كلاً من الفكرة الماركسية والفرويديةولكن أيضاً «أن الضمير بالنسبة لدوركايم بشكل تمهيدي بارز هو جهاز مكون من الوجدان والتصوير وأنه ليس الجهاز العقلي وهو المفهوم الذي تتضمنه كلمة الوعي أو الضمير الجمعي. ولتوحيد الوجدان الجمعي لدى السودانيين يتطلب معالجة العوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية عبر التاريخ، و التي ساهمت في التنوع والتباين وتشكيل هذا الواقع بكل ميزاته وتعقيداته، مع التركيز على تعزيز القواسم المشتركة التي تربط جميع فئات المجتمع، وبث القيم والروح والمعاني التي تزواج بينها في قالب قومي مهضوم له رؤية و فكرة ورسالة وقيادة تعبر عنه علي الصعيدين الرسمي والشعبي. ومن أهم الأسس لتحقيق ذلك:
1. تعزيز الهوية الوطنية الجامعة
•إبراز الهوية السودانية كإطار شامل يضم كل المكونات الثقافية والعرقية والدينية.
•التركيز على التاريخ المشترك والنضالات الوطنية التي توحد السودانيين ووجدانهم.
2. إحياء وتطوير الثقافة المشتركة
•دعم الفنون والموسيقى والأدب والتراث كأدوات لترسيخ القيم الوطنية.
•إحياء التراث الشعبي والتقاليد السمحة بخصوصياتها المناطقية، بما يعكس التنوع السوداني في إطار الوحدة.
3. تعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة
•معالجة قضايا التهميش والإقصاء وضمان تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين على أساس المواطنة والحقوق.
•تمكين المجتمعات المحلية وتعزيز التنمية المتوازنة في مختلف الأقاليم والتوازن والتكامل فيما بين الولايات.
4. إصلاح الخطاب الديني والإعلامي
•توجيه الخطاب الديني نحو قيم التسامح والتعايش بعيدًا عن التعصب.
•تطوير الإعلام الوطني ليكون منصة تعزز الوحدة وتنبذ الفرقة.
5. بناء نظام تعليمي موحّد ومنفتح
•إدراج المناهج التعليمية التي تعكس التنوع السوداني وتعزز قيم المواطنة.
•التركيز على تدريس اللغات المحلية إلى جانب اللغة العربية والإنجليزية لتعزيز الفهم المتبادل.
6. تشجيع الحوار والمصالحة الوطنية
•إقامة منصات للحوار المجتمعي بين مختلف الفئات لتعزيز الثقة والتفاهم.
•دعم عمليات المصالحة وردم الهوة الناجمة، بعد النزاعات لضمان تجاوز الخلافات التاريخية.
7. تعزيز الاقتصاد المشترك
•دعم المشروعات الاقتصادية التي تعزز الترابط بين مختلف الولايات والمجتمعات وتحقق التنمية المتوازنة والمستدامة.
•تعزيز فكرة الاقتصاد التكاملي وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية والمشاريع التي تربط السودانيين جغرافيًا واقتصاديًا.
قضية توحيد الضمير والوجدان الجمعي، ليست قضية ترفية بل هي ركيزة أساسية في البناء الوطني وظل أم القضايا الكلية ومهمة وطنية سامية لابد لها من التفاتة صادقة ومنصات و مؤسسات قومية وتعبوية تغذي شريان الأمة بمطلوبات هذه الزاوية في عقدنا التواثقي المجتمعي. مقاييس نهضة الأمم والشعوب تقاس من هذه القيمة وما ينعكس في الرأي العام الاقليمي والعالمي ازاء الشخصية السودانية، وما تعكسه الخلافيات السياسية والتجاذبات من مزاج تنافري هو ما يتسيد المشهد من حولنا. تاسيس الخطاب الوطني وتوحيده منهجا وتعبيرا غاية مدركة ما نزال نبعد نجعتها في ممارستنا وتعطينا المجتمعي. أدواء كثيرة تصيب الجسد الجمعي بالتشوهات يلزمها سلوك لقيادات ملهمة وتيارات تعبوية مجتمعية على كافة المستويات، تعيد هذه المكانة الي نصابها واستحقاقاتها. جماع هذه الأسس يمكن أن تشكل حجر الأساس لبناء وجدان وضمير جمعي واعي متماسك وواعد لتتغير النمطية القائمة، و يعكس التنوع السوداني ضمن إطار الوحدة الوطنية التي ننشد.