أهمية وأبعاد توحيد الخطاب السياسي بالبلاد!؟ً
السفير.د. معاوية التوم
واحدة من الأدواء التي لازمت تاريخنا السياسي عبر الحقب، حالة التباين في التعبير عن الشأن العام للدولة، الذي ينبغي أن يكون بلسان موحد قوي ومستدام، له محدداته ورسائله واستقامته على منهج رسمي في التعاطي مع الداخل . وما يراد من اشارات للإقليم والخارج . ذلك لأن غاية هذا الخطاب أن يعبر عن ارادة وطنية سياسية واحدة حاكمة، هي جماع رأي الدولة ورؤيتها في كل ما يتصل بخططها ومشاريعها وبرامجها تحت قيادة وسيادة .لذا فان التضارب الذي ينشأ يرتب صورة شوهاء لدى الرأي العام الداخلي والخارجي، ويصبب بالتشويش منصة الحكم و قراراتها ومقاصدها في تأمين وصيانة الجبهة الداخلية، ويفسح لمضار التأويل وخطر الشائعات التي تنال من البناء الوطني وتضير بالوجهة الكلية لخطاب الدولة في معالجة التحديات الماثلة . والشواهد على ذلك عبر تاريخنا أوفر من أن تحصى.
فتوحيد الخطاب السياسي في السودان يُعد أمرًا بالغ الأهمية، خاصة في ظل المهددات والتحديات السياسية، والاقتصادية، والأمنية التي تواجه البلاد. والأطراف المختلفة التي تتشارك مؤسسة الحكم . وإفرازات الحرب التي أشعلتها قوات الدعم السريع المتمردة منذ عامين. إليك أبرز النقاط التي توضّح أهمية هذا التوحيد:
1. تحقيق الاستقرار الوطني:
التعدد في الخطابات السياسية وتناقضها يُغذّي الانقسامات والصراعات، بينما التوحيد يسهم في خلق أرضية مشتركة تُسهّل إدارة المرحلة الانتقالية أو مرحلة ما بعد النزاع.
2. تعزيز الثقة بين مكونات الشعب:
عندما تتوحد القوى السياسية خلف خطاب واضح ومشترك، يشعر المواطن أن هناك نية حقيقية لمعالجة مشكلاته بعيدًا عن المصالح الحزبية الضيقة.
3. دعم العملية السلمية:
الخطاب الموحد يُعزز فرص الحوار والتفاوض بين الأطراف المختلفة، ويمهّد الطريق نحو بناء سلام دائم وشامل.
4. إرسال رسالة واضحة للعالم:
توحيد الخطاب السياسي يعكس صورة إيجابية أمام المجتمع الدولي، ما يزيد من فرص الدعم السياسي والاقتصادي للسودان.
5. مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية:
لا يمكن معالجة التحديات الكبرى لهذه الزاوية بوجود خطاب متنافر، فالسياسات الفعالة تحتاج إلى انسجام وتوافق سياسي.
6. دعم التحول الديمقراطي:
خطاب سياسي موحد يوفّر بيئة مناسبة لوضع دستور دائم، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، وبناء مؤسسات حكم راشدة ومسؤولة .
مضار تعدد الرسائل داخل خطاب الدولة
تعدد الألسن في الخطاب السياسي، خصوصًا في سياق هش كالسودان، يحمل العديد من الأضرار والمضار التي تعيق التقدم نحو تماسك الجبهة الداخلية والاستقرار والنهضة. و من أبرز تلك المضار:
1. تشويش الرأي العام:
عندما تتضارب التصريحات والرسائل من القوى السياسية، يفقد المواطن ثقته في الجميع، ويصعب عليه التمييز بين الصدق والمزايدة، مما يؤدي إلى الإحباط واللامبالاة وبروز الشائعات.
2. إضعاف الموقف الوطني:
الخطاب المتعدد والمتنافر يُضعف قدرة الدولة على التفاوض داخليًا وخارجيًا، ويُظهرها بمظهر المنقسم، ما يفتح الباب للتدخلات الخارجية.
3. تعميق الانقسامات:
التعدد غير المنضبط في الخطاب يرسّخ الانقسام الجهوي، والعرقي، والحزبي، مما يُفاقم التوترات الاجتماعية والسياسية ويعود بهشاشة النظام.
4. إفشال جهود بناء الدولة:
أي مشروع وطني يحتاج إلى رؤية موحدة وخطاب متناغم، وتعدد الألسن يُفشل أي مسار نحو وضع دستور دائم، أو إجراء انتخابات، أو استفتاء على قضية بعينها أو إصلاح مؤسسات الدولة.
5. تغذية الصراعات المسلحة:
عندما تتعدد الألسن وتتباين المواقف، تجد الجماعات والحركات المسلحة والميليشيات تبريرًا لاستمرارها، وربما تجد دعمًا من قوى سياسية منقسمة.
6. تشويه صورة البلاد أمام العالم:
غياب الخطاب الموحد يعطي انطباعًا بعدم وجود قيادة حقيقية، ويضعف ثقة المجتمع الدولي في أي شراكة أو دعم للسودان.
نخلص الي أن تعدد الألسن في الخطاب السياسي، يُعد من أبرز معوقات بناء الدولة في السودان، إذ يؤدي إلى تشويش الرأي العام وفقدان الثقة في القيادات، ويُظهر البلاد بمظهر المنقسم العاجز عن اتخاذ قرارات مصيرية. هذا التنافر في الخطاب يُضعف الموقف الوطني في المحافل الإقليمية والدولية، ويُغذي الانقسامات الجهوية والعرقية، ويغري بالتدخلات الخارجية مما يُسهم في إطالة أمد الصراع والتوافق الوطني ويُعقّد سبل الحل. كما يفتح الباب أمام الجماعات المسلحة لاستغلال التباينات السياسية في تبرير استمرارها، ويُفشل أي محاولة لبناء مؤسسات دولة مستقرة، أو وضع رؤية موحدة للمستقبل وفق استراتيجية وألويات . وفي ظل هذا التشرذم، تتشوه صورة السودان خارجيًا، وتتضاءل فرص الدعم الاقليمي و الدولي، مما يُفاقم من أزمات البلاد ويُعرقل مسيرة التحول الديمقراطي والتنمية المستدامة.