كيف جرى استخدام الحرب النفسية في العدوان المفتوح على السودان” ١-٢ “!؟
السفير.د.معاوية التوم
هذه الحرب تكشف العديد من الأوجه الكالحة والثغرات الكبيرة فيما يتصل بالأمن الشامل للدولة والشعب، ويبقى سلاح الحرب النفسية في كلياته، والذي يُعدّ أحد أخطر وأدقّ أدوات الصراع في الحروب الحديثة، إذ يستهدف العقل والوجدان قبل أن يستهدف الجسد أو الأرض. وهو لا يقتصر على النزاعات المسلحة فقط، بل يُستخدم كذلك في الصراعات السياسية والاقتصادية والدعائية بمقاصد مدروسة وغايات موجهة لتدمير الأمم.
والحرب النفسية في تعريفها هي مجموعة من العمليات التي تهدف إلى التأثير على مشاعر، ومعتقدات، وسلوك الأفراد أو الجماعات في صفوف العدو أو حتى في صفوف الحلفاء، بغرض إضعاف الروح المعنوية، وزعزعة الثقة بالقيادة، ونشر الإرباك والتردد لأجل البلبلة السياسية.
ومن أدوات الحرب النفسية:
• الإعلام (إذاعات، قنوات تلفزيونية، مواقع تواصل اجتماعي)
• الإشاعة والتلاعب بالمعلومات
• البروباغندا السياسية والدينية
• الاختراق الإلكتروني ونشر الرسائل المضللة
• استخدام الأسرى أو الجواسيس والمصادر لبثّ رسائل موجهة
وترمي أهدافها الي :
• إضعاف معنويات الجنود وخلق حالة من الانهيار النفسي
• نشر الخوف والقلق بين المدنيين
• تضليل العدو وإرباك قراراته
• تفكيك وحدة الخصم الداخلية عبر تأجيج الانقسامات
ومن أمثلتها في الواقع أن
• استخدمت الولايات المتحدة الحرب النفسية بشكل مكثف في حرب فيتنام من خلال منشورات دعائية وإذاعات موجّهة.
• خلال حرب الخليج، وُزّعت منشورات على الجنود العراقيين تدعوهم للاستسلام وتُبرز قوة التحالف.
• في الحروب الحديثة (مثل الحرب الروسية الأوكرانية)، أو غزة تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في نشر البلبلة النفسية، سواء من خلال تزييف الفيديوهات أو تضخيم الانتصارات والخسائر، بغرض صرف الأنظار عن الحقائق على الأرض.
وودت هنا بصفة خاصة و لأغراض التوعية والأمن المجتمعي ، أن أنزل إسقاطات سلاح الحرب النفسية على الحالة السودانية.مستشهدا بالعدوان المفتوح الذي شنته قوات الدعم السريع في أبريل ٢٠٢٣، بسندها الداخلي والخارجي في السياق السوداني. ولا يمكن تجاهل دور الحرب النفسية خلال وبعد ما سمي بثورة ديسمبر 2018، أبريل 2019 إذ لجأت أطراف داخلية وخارجية إلى بث رسائل متضاربة، وتحريض إعلامي، وشائعات مدروسة للتأثير على الرأي العام وإرباك المشهد السياسي وخلخلته وتهيئته للمشروع القادم من وراء الأدوات والوسائل التي استخدمت.
لا شك أن هذا العدوان متعدد الأهداف والأطراف التي شاركت فيه من خلال ما توافر من رجال وسلاح وعتاد واليات وتقنيات ودعاية واعلام واتصالات . أعدت له منظومات متعددة من قِبَل الأطراف السودانية والإقليمية والدولية الفاعلة، خاصة قوات الدعم السريع المتمردة ، و دولة (الإمارات) بحسبانها الراعي والممول الرئيس، وقوى الحرية والتغيير بتشكيلاتها المتناسلة، وذلك في سياق ما أعقب الثورة أعلاه ، مع ربط هذه العمليات النفسية بأهداف سياسية واستراتيجية أوسع و بتكتيكات متدرجة .
أولاً: قوات الدعم السريع واستخدام الحرب النفسية
1. الترويج الإعلامي للسطوة العسكرية
قامت قوات الدعم السريع المتمردة بتوظيف الإعلام، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لنشر مقاطع تُظهرها كمُنقذ للسودان من الفوضى، وازالة دولة ٥٦ . وكقوة منضبطة وفاعلة في مكافحة “التمرد والفوضى”. لإقامة الدولة المدنية . هذا الخطاب وُجّه إلى الداخل السوداني لتشكيل صورة ذهنية إيجابية عنها رغم تاريخها المُرتبط بانتهاكاتها وجرائمها في دارفور.. ياتي ذلك استنادا الي المساحة التي اتيحت لقائد التمرد بالداخل قبيل الحرب وتمدده الأفقي والرأسي، وبسط نفوذه بالاستغلال والرشى.
2. تحطيم صورة الجيش
عملت الدعم السريع على بثّ إشاعات تُضعف من صورة الجيش السوداني وقيادته، مستهدفةً الثقة الشعبية فيه، وتصويره كقوة منقسمة وضعيفة ومتنازعة ، وذلك عبر حملات إلكترونية منظمة تعتمد على حسابات وهمية وأخرى حقيقية.
3. الحرب النفسية على المدنيين
أثناء سير المعارك في الخرطوم ومدن أخرى (2023–2024)، استخدمت الدعم السريع أساليب الترويع الإعلامي بنشر صور الاقتحامات، والممارسات العنيفة ضد خصومها، ورسائل تُثير الهلع بين المدنيين كوسيلة للسيطرة النفسية على مناطق النزاع وحمل المواطنيين على الهجرة الداخلية واللجوء. وقد كانت الدعاية التي يبثها حميدتي في خطاباته الداخلية قبل الحرب تشير منذ وقت طويل الي ما قام به من حرب مدمرة لاحقا إذا تم متابعة هذا الخطاب.
ثانياً: الإمارات العربية المتحدة كفاعل خارجي
1. بناء خطاب دعائي “إنساني”
دعمت الإمارات الرواية (الطرفانية/ الشرعية) لتُبرر تدخلها في السودان من منطلق “دعم الاستقرار” و”تقديم المساعدات الإنسانية”، عبر واجهاتها لاجل مساعدة شعب السودان لا حكومته، مستخدمة الإعلام الموجّه والناطق بالعربية والإنجليزية لتلميع هذا الدور، مع تجاهل أو نفي أي تورّط في دعم فصائل عسكرية.وتسويق فكرة (الطرفانية) وعدم الشرعية التي تساوي بين الجيش والتمرد.
2. استخدام الحرب النفسية لإضعاف الحراك المدني
عبر وسائل إعلام ممولة إماراتياً، جرى ترويج سرديات تُشكك في جدوى الثورة السودانية، وتضخّم من الانقسامات داخل قوى الحرية والتغيير، مما يُحدث حالة من الإحباط العام لدى الشارع السوداني، ويُضعف من قدرة قوى الثورة على الحشد الجماهيري. وإمساكها بفرض الحلول والوجهة المرادة لمآلات الأمور.
3. دعم الحرب الإعلامية للدعم السريع
بشكل غير مباشر، يُلاحظ تشابه في الخطاب الإعلامي لبعض المنصات المدعومة من الإمارات مع رواية الدعم السريع، ما يعكس وجود نوع من الحرب النفسية التعاونية الرامية إلى إعادة تشكيل وعي السودانيين بما يُخدم مصالح الإمارات في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
من خلال منظومات الدعاية والاتصال والقنوات التي تسيطر عليها لتوجيه الخطاب الإعلامي.واستخدام المؤثرين بكثافة.
ثالثاً: قوى الحرية والتغيير وتكتيكات التأثير النفسي
1. الحشد الرمزي والثوري
في فترة ما بعد الثورة، استخدمت قوى الحرية والتغيير رموز الثورة (الشهداء، الأغاني، الأيقونات، الشعارات، الصور والتظاهرات العبثية ) كأسلحة نفسية لتعزيز الانتماء للثورة وخلق شعور جماعي متماسك، ما يُعدّ من أدوات الحرب النفسية “الإيجابية”. وسيطرتها التامة على الشخصيات التي تقود هذا العمل وصناعة الشخصيات المؤثرة بالداخل.
2. الخطاب العاطفي والمظلومية
كثيرًا ما لجأت هذه القوى إلى خطاب “المدني مقابل العسكري” بصيغة ثنائية، تضع الشارع أمام خيار أخلاقي بين النور والظلام، مستخدمة التجييش العاطفي لتحريك الرأي العام، وإنْ أدّى ذلك في بعض الأحيان إلى انقسامات داخل الكتلة المدنية نفسها.وكانت حملاتهم من وراء غاية تفكيك الجيش في نقاشهم لما يسمى بالاتفاق الإطاري واضحة للعيان.
3. حملات التشكيك الداخلي
في فترات الاضطراب داخل قوى الحرية والتغيير (ما بعد ما سمي انقلاب 2021)، وُظفت أدوات إعلامية لشيطنة بعض المكونات الداخلية عبر تسريبات أو منشورات تُثير الشكوك، ما يعكس استخدامًا للحرب النفسية ضد الخصوم السياسيين داخل المعسكر المدني. الكيزان،الفلول،البلابسة، داعمي العسكر ، الدواعش والظلاميين الخ
خاتمة تحليلية
إن الحرب النفسية في السياق السوداني لم تكن مجرد سلاح مُكمل، بل أصبحت جزءاً أصيلاً من أدوات الصراع على الشرعية والموارد والمكانة وصولا للحكم والسيطرة على مقود القيادة واحتكار السلطة . استخدمتها الفصائل المسلحة لتثبيت حضورها، وبعض دول الجوار والدول الإقليمية وبعض الاسناد من الواجهات الدولية في سياق حملة مكتملة الفصول، (بعثة يونيتامس) لتحقيق مصالحها، والقوى المدنية في معركتها على الرأي العام. لكنها في المحصلة أضعفت الجبهة الوطنية الداخلية، وساهمت في تعقيد الانتقال الديمقراطي.وقادت من ثم لتفكيك كيان قحت (الحرية والتغيير) من وحي الخلافات والفساد والطموحات المغالبة في الاستئثار بكامل الكعكة.وقادت في نهاية الأمر الي انهيار مشروعهم، وتوالي الانتصارات لصالح الجيش ، وتبقى فكرة الحرب الاهلية التي دعا لها حمدوك قائمة. وهذا ما تسعي له هذه الأطراف الماكرة بعد إعلانهم للحكومة الموازية بالتوجه الي دارفور بحسبانها الخطة (ب). واستمرار الابتزاز ونزيف الدعم بغية العودة الي كراسي السلطة،، ونواصل …..
———-