الحرب الإسرائيلية–الإيرانية: نهاية جولة أم بداية واقع جديد؟ دروس وعِبر للسودان والمنطقة!؟
السفير.د.معاوية التوم
مقدمة
تابعت الأوساط جميعها على امتداد المعمورة مجريات هذه الحرب خلال ١٢ يوما من الهجوم والهجوم المضاد، والآثار الكارثية والأضرار التي ترتبت عليها وما تزال.السؤال أعلاه بالغ الأهمية، لأن الحرب الإسرائيلية–الإيرانية، سواء في صورتها المباشرة أو عبر الوكلاء (كما في لبنان، سوريا، العراق، غزة، والبحر الأحمر)، أصبحت نموذجًا لحروب المستقبل التي باتت : مركّبة، غير متوازنة، وتحمل طابعًا إقليميًا–دوليًا.
فيما يلي احاول أبراز الدروس المستفادة منها:
تجليات الحرب الإسرائيلية–الإيرانية التي اشعلتها إسرائيل لاعتبارات وجودية بظنها. سواء بشكل مباشر أو عبر الوكلاء، وسط بيئة إقليمية مشبعة بالتوتر والصراع والتشظي. ولم تكن هذه الحرب حدثًا طارئًا، بل نتيجة تراكمات استراتيجية في معادلات الردع، وصراع النفوذ، ومحاولة كل طرف فرض رؤيته بمعادلات جديدة على الأرض.
لكن ما يجب التوقف عنده ليس فقط مسار الحرب، بل دروسها العميقة التي تتجاوز ساحات القتال لتلامس مفاهيم السيادة، وإدارة الدولة، وتوازنات القوى، ومستقبل الدول التي تمر بظروف استثنائية، ومن بينها السودان.
أولًا: حروب الوكلاء – الساحة بيد من لا يملك القرار
لم تخض إسرائيل وإيران معاركهما دائمًا بأيديهما، بل عبر وكلاء ميدانيين ينتشرون في لبنان، سوريا، العراق، اليمن، وغزة.
لقد أثبتت الحرب أن حروب المستقبل ليست بالضرورة صدامًا مباشرًا بين الدول، بل إدارة ذكية ومركّبة لأدوات متعددة (وكلاء، إعلام، اقتصاد، هجمات إلكترونية سايبرانية وذكاء اصطناعي وصواريخ بعيدة المدى ).
السودان، بدوره، لا يجب أن يسمح بتحوّله إلى ساحة بالوكالة، كما يحدث بالفعل عبر بعض الميليشيات أو تدخلات خارجية تتغلغل في القرار الوطني. وبالتالي الدرس المستفاد هنا ليس من الخارج وانما من الداخل المُستتبع لصراعات الخارج.
ثانيًا: تغيّر طبيعة الحروب – من الجيش إلى المسيرات والهجمات السيبرانية
برزت الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة كأدوات حاسمة، وظهر الدور المتزايد للذكاء الصناعي، والتحكم عن بُعد، والحرب الإلكترونية.
لم تعد الحروب تُحسم بعدد الدبابات أو الطائرات المقاتلة، والمشاة من الجنود، بل بالمرونة والقدرة على التشويش والشبكات.
الدولة السودانية بحاجة إلى إعادة بناء منظومتها الأمنية القومية وعقيدتها العسكرية . وتحصين سياجها على خلفيات ما كشفته الحرب من ثغرات على أسس تكنولوجية حديثة، لا الاكتفاء بالبنية التقليدية لمواجهة هذه التهديدات غير المتناظرة.
ثالثًا: الجبهة الداخلية أساس الصمود أو الانهيار
خسائر الجيوش ليست بالضرورة في الميدان، بل في تفكك الجبهة الداخلية وتصدعها، وسقوط الثقة بين المواطن والدولة، وتآكل الشعور بالمواطنة يذهب بتماسك كيان الدولة .
إسرائيل تسيطر على الجبهة الداخلية بالدعاية والتخويف، وإيران تعبئ جبهتها تحت شعار المواجهة الخارجية. أما الدول الضعيفة، فغالبًا ما تخسر على الجبهتين.
الدرس للسودان: لا نصر بلا ثقة، ولا سيادة بلا مواطن يشعر بأنه جزء من الدولة وواعي بهويته ووطنيته وواجباته . ومحصن من محاور الخارج، ويشارك في صناعة القرار وحماية البناء الوطني .
رابعًا: الموقف العربي الموحد وبعده الاستراتيجي
الحرب كشفت ضعف الكيان العربي وهشاشة الموقف العربي؛ تباين في الرؤى، غياب المبادرة،
. بالنظر الي التحديات الكبيرة التي تواجه منطقة الشرق الأوسط من اليمن إلى غزة، مرورًا بسوريا ولبنان، لم يكن للعرب دور حاسم في توجيه الأحداث، والسيطرة والحماية للامة .
على السودان أن يتعلم الدرس جيدًا: من لا يمتلك مشروعه الوطني المستقل، يصبح رقمًا في مشاريع الآخرين، لابد من صون القرار الوطني من الارتهان للخارج .
خامسًا: السيادة ليست شعارًا، بل قدرة وفعل
إيران تسعى إلى إثبات حضورها في الإقليم رغم الحصار. وإسرائيل تسعى لتأمين حدودها وفرض خطوطها الحمراء. كلتاهما تتحركان من منطلق مصلحي واضح وشراكات نفعية.
في المقابل، تفقد دول أخرى سيادتها باسم الدعم، أو الحماية، أو الشراكة، بينما تُدار سياساتها من الخارج.
السودان أمام تحدٍ وجودي: إما استعادة قراره الوطني، أو البقاء كأداة في صراعات الآخرين. الدرس: أن الأنظمة قد تُغريها الحرب كأداة سياسة داخلية، لكن الكلفة الباهظة غالبًا ما تقع على الشعوب لا الحكومات.
سادسًا: الأمم المتحدة والمجتمع الدولي – عدالة انتقائية
الحرب أظهرت مجددًا ضعف النظام الدولي وازدواجية المعايير وتناقضها:
• عندما تتعرض غزة للقصف، تبرر القوى الكبرى ذلك بـ”حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”.
• وعندما ترد إيران أو وكلاؤها، تُدان تحت بند “الإرهاب والتهديد للاستقرار”.
الدرس للسودان: لا تنتظر إنصافًا دوليًا… ابنِ تحالفاتك على أساس المصلحة، لا الخطابات. الدرس: لا تعوّل على الخارج… وحدها الوحدة الوطنية والمؤسسات الراسخة هي من تحمي الدول وتبرز قيمتها ووزنها.
خاتمة: السودان وسط عاصفة الإقليم… أي طريق؟
الحرب الإسرائيلية–الإيرانية ليست نهاية الصراع، بل بداية لمرحلة جديدة عنوانها:
• هشاشة الحدود، بحاجة لتامين استثنائي
• تمدد الحروب المركّبة، رهانها في المشرع الوطني والمبادرات الداخلية.
• وتآكل السيادة لصالح المشاريع الإقليمية، يلزم معه مواقف وطنية محمية.
إذا لم يقرأ السودان هذه المتغيرات بعقلٍ استراتيجي، ويرتب أولوياته الأمنية والسياسية والاقتصادية على هذا الأساس، فسيجد نفسه – مرة أخرى – ساحة للحرب لا طرفًا في السلام.
إذا لم تملك مشروعك الوطني، وقوتك السيادية، ووعيك الجمعي، فسيُدار صراعك من الخارج، وستُستخدم جغرافيتك كساحة لا كلاعب.
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.