من واشنطن إلى الفصل السادس المعدّل:
هل يجرّ وزير المالية السودان إلى الارتهان؟
د. عبد العزيز الزبير باشا
بينما يمر السودان بمرحلة من أخطر محطاته التاريخية، تتسارع الخطى الرسمية نحو مؤسسات التمويل الدولية، في مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كما ظهر جلياً في لقاء وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. جبريل إبراهيم ، مع المدير التنفيذي للمجموعة الأفريقية الأولى في البنك الدولي، على هامش اجتماعات الربيع بواشنطن…
الوزير تحدّث بثقة عن “ *تحسن الأداء الاقتصادي* ” و” *استقرار سعر الصرف* ”، في مشهد يُخيّل للمراقب أن البلاد قد تعافت من حرب طاحنة ما زالت أهوالها تحاول أن تمزّق بعض من أطرافها…
والسؤال الجوهري هنا:
أي تحسن يُقصد؟
أهو استقرار ناتج عن ركود مُركّب وانكماش قسري؟ أم مجرد سردية تُصاغ لتبرير الارتماء مجدداً في حضن مؤسسات لم تقدم شيئاً للدول النامية سوى الديون الوصاية!
تجارب صندوق النقد والبنك الدولي معروفة:
برامج تقشفية، تحرير غير مدروس، خصخصة للأصول السيادية، ورفع للدعم عن السلع الأساسية، وكل ذلك تحت شعار “ *الإصلاح* ”. لكنّ هذا الإصلاح المزعوم أنتج في دول عديدة انهيارًا اجتماعيًا واحتقانًا سياسيًا، وغالباً ما خرجت منه الدول أكثر ضعفًا من ذي قبل..
ما يثير القلق هو أن تأتي هذه التحركات في وقت تتكشّف فيه ملامح مشروع غربي متكامل تجاه السودان:
بريطانيا تحاول عبر مجلس الأمن تمرير قرار تحت الفصل السادس المعدّل بدعوى حماية المدنيين ووقف العدائيات – قرار تصدّت له _روسيا بالفيتو – فيما تحركت فرنسا في خط موازٍ لتأهيل قوى متمردة وتمكينها سياسياً.. واليوم، تُعاد صياغة ذات البنود – _حرفياً– في تصريحات المتحدث باسم الأمم المتحدة تعليقاً على زيارة المبعوث رمضان لعمامرة.
فأين يقف السودان من كل هذا؟ يبدو أن هناك محاولات حثيثة لإعادة تدويل القضية السودانية، عبر أدوات “ *الاستقرار الاقتصادي* ”، و” *الإغاثة الإنسانية و” *إعادة الإعمار، لتصبح هذه المفاهيم مجرد مداخل ناعمة لإعادة فرض الهيمنة على القرار الوطني، وتفكيك الدولة عبر آليات دولية لا تقف على الحياد…
حتى مبادرات مثل “ M300 ” للطاقة النظيفة، وإن بدت جذابة في ظاهرها، إلا أن الدخول فيها عبر تمويل دولي مشروط يضع البنية التحتية السودانية تحت مجهر الرقابة الأجنبية، ويفتح الباب أمام تحكم تقني وإداري قد يتحوّل لاحقاً إلى سلطة فعلية على الأرض….
الرسالة هنا يجب أن تكون واضحة
المطلوب اليوم ليس مؤشرات نمو مزيّفة، بل رؤية سيادية حقيقية لبناء اقتصاد وطني مستقل، لا يتسوّل الدعم ولا يخضع للإملاءات. فليس من الحكمة أن نُمنّي النفس بالتمويل الخارجي بينما يجري هندسة الواقع السياسي من وراء الكواليس لفرض أمر واقع جديد، يُقصي الدولة ويُعيد إنتاج الحرب في أثواب سياسية واقتصادية مختلفة..
في الختام، على د. جبريل ومن خلفه الحكومة أن يعوا أن المعركة لم تعد فقط مع مليشيا متمردة، بل مع منظومة دولية تُعيد ترتيب المشهد السوداني بما يخدم مصالحها. والاقتصاد، في هذه المعركة، ليس ساحة فرعية بل جبهة مركزية يُخشى أن تُسلَّم بلا مقاومة….
على الكل ايضا أن يعوا الراهن الإستثنائي الذي يمر به الوطن أنه لا حل من دون تقديرات و توصيات المؤسسات الوطنية المختصه و خصوصا أن الحلول المستوردة من الخارج أكدت فشلها و خبثها المتراكم عبر العقود المتتالية ان كانت تحمل في طياتها الحمل الوديع….
لابديل للسودان إلا السودان نفسه…..
وطن و مؤسسات
السودان أولا و أخيراً