الصمغ العربي: المورد المنسي وسلاح السودان الاستراتيجي في علاقاته الدولية السفير.د.معاوية التوم
مقدمة:
بينما ينشغل السودان بالحرب المفروضة عليه منذ أبريل ٢٠٢٣م، وما خلفته من واقع مرير ، زادت من اهتمامه بأزماته السياسية والاقتصادية المتلاحقة. في الوقت ذاته يغيب عن صانع القرار والنخبة الحاكمة مورد استراتيجي قلّ نظيره في العالم وهو :(الصمغ العربي). هذه المادة الطبيعية التي تُنتجها شجرتي الهشاب والسيال (الطلح) في أحزمة السافانا الجافة ومواقع أخرى متفرقة بالسودان . هذه السلعة ليست مجرد منتج زراعي، بل ورقة ضغط سياسية حقيقية تمتلكها البلاد بصورة شبه حصرية، ويمكن توظيفها في الملفات الإقليمية والدولية متى ما وُجدت الإرادة والرؤية الوطنية . توظيف سلاح الصمغ العربي سياسيًا يتطلب فهماً دقيقاً وعميقا لقيمته الاقتصادية والاستراتيجية، وامتلاك إرادة سياسية واعية بكيفية تحويل الموارد الطبيعية إلى استثمار نوعي ورافعة وورقة ضغط في علاقات البلاد الاقليمية والدولية. وفيما يلي عرض لكيفية استفادة السودان من توظيف الصمغ العربي كأداة سياسية:
أولًا: الصمغ العربي بين الاقتصاد والسياسة
السودان ينتج ما يقارب 70 إلى 80% من الإنتاج العالمي للصمغ العربي، لا سيما من نوع “الهشاب والسيال ” الذي يُعدّ الأجود عالميًا. وتكمن أهميته في دخوله في صناعات حيوية تشمل:
• المشروبات الغازية (كوكاكولا، بيبسي) كمادة مثبتة ومستحلبة ومضافة
• الصناعات الدوائية والغذائية
• مستحضرات التجميل
• الطباعة والورق والأحبار والنسيج
. ومجالات أخرى لم تكتشف بعد
الصمغ العربي هو مادة طبيعية متعددة الاستخدامات، وتتراوح استخداماته بين الغذاء والطب والصناعة. ويُعتبر مادة ذات قيمة عالية القيمة والمردود بسبب خصائصه الفريدة وفوائده الصحية. لكن المفارقة أن هذا المورد لم يُوظف قط كأداة من أدوات السياسة الخارجية، وظلّ يُصدّر خامًا بأثمان زهيدة، (يتراوح سعر الطن حاليا بين ٣ الي ٧ الف دولار حسب المنتج ). بينما تحقّق الشركات الغربية في أوربا وغيرها ، خصوصًا الأميركية كأكبر مستورد له وأيضا الأسواق بآسيا وأميركا الجنوبية، أرباحًا ضخمة من منتجاته وقيمته التحويلية المضافة . والسؤال الأهم كيف اصبحت فرنسا على قائمة المصدرين للصمغ وهي لا تملك شجرة واحدة لانتاجه!؟
ثانيًا: تجربة العقوبات الأميركية… حين استثني الصمغ من الحظر
في العام 1997، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية صارمة على السودان. لكن رغم شمولها لكافة القطاعات الحيوية، استُثني الصمغ العربي، مما يعكس اعترافًا ضمنيًا بأهميته بالنسبة للاقتصاد الأميركي في أكثر من فضاء ومجال .
هذه الحادثة تمثل نقطة محورية توضح أن الغرب، مهما كان موقفه السياسي من الخرطوم، يحتاج إلى استمرار تدفق هذا المورد الحيوي ببيئته وتربته وعناصره التي تمتلكها الدولة . لكن السودان لم يستغل هذه الورقة بعد لا لرفع العقوبات، أو لتخفيفها، بل اكتفى ببيعها بثمن بخس لشركات احتكارية غربية وبيوتات معروفة الوجهة والهدف. بل لم يسعى الي تعظيم وتوسيع الرقعة الزراعية ، وآليات البحث العلمي المتصلة به، أو خطط الارتقاء به .
ثالثًا: الصمغ العربي كورقة ضغط تفاوضية
ينبغي للسودان أن يعيد صياغة علاقته مع العالم على أساس المصالح المتبادلة لا المساعدات المشروطة. في هذا السياق، يمكن إدراج الصمغ العربي كأحد أوراق التفاوض الأساسية، وذلك من خلال:
1. تنظيم الصادرات والمعارض التجارية لهذه السلعة بما يتماشى مع المصالح الوطنية العليا لا رغبات الشركات الغربية وغيرها .
2. ربط استمرار تدفق الصمغ العربي إلى الأسواق الغربية بمواقف سياسية منصفة تجاه السودان في قضايا العقوبات، التنمية، وتعزيز السيادة الوطنية.
3. تشكيل تكتل إقليمي للدول المنتجة للصمغ العربي على غرار “أوبك” للتحكم في الإنتاج ، الأسعار والكميات وتوجيه سوقه .
رابعًا: من تصدير الخام إلى التصنيع المحلي
أكبر الخسائر الاستراتيجية التي يُمنى بها السودان في ملف الصمغ العربي تتمثل في تصديره كمادة خام دون تصنيع أو استغلاله محليًا كقيمة مضافة تضاف الي التسريب بالتهريب.. هذا الأمر يقلل من قيمته التفاوضية ويجعل الدولة رهينة لسلاسل القيمة الغربية، بالسيطرة على أسواقه، وحرمان البلاد من مورد استثنائي.
الحل يكمن في:
• إنشاء مصانع محلية بمواصفات عالمية لتحويل الصمغ إلى منتجات مشتقة.
• جذب الاستثمارات في مجال الصناعات التحويلية المرتبطة بالصمغ.
• تشجيع التوسع في زراعته واعلاء قيمة البحث العلمي لتطوير استخداماته في القطاعات الطبية والغذائية.
. انشاء مركز بحثي خاص بمادة الصمغ وشرطة لحمايته الامنية.
خامسًا: الصمغ في خدمة السيادة الوطنية
حين يدرك السودان أن الصمغ العربي ليس مجرد محصول زراعي، ويقف على أهميته ، ويحيط بالشركات القابضة والمهيمنة عليه عالميا .بامكانه جعله أداة سيادة ومصلحة وطنية وأمنية ضمن ركائز الأمن القومي ، بل يمكن أن يتحول إلى ورقة قوة في ملفات مثل:
• التطبيع بالقبول أو الرفض
• المساعدات التنموية المشروطة
• الاعتراف الدولي بالحكومة
• رفع اسم السودان من قائمة الدول المنتهكة أو الراعية للإرهاب وغيرها من الملفات التي ظلت تحيط بالبلاد وتكبل انعتاقها.
بل وقد يكون عامل ضغط في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي و امريكا، دول آسيا و الصين أو دول الخليج التي تتطلع إلى الدخول في احتكار مواد خام نادرة خارج سياق النفط والذهب .
خاتمة: من التبعية إلى الشراكة
يمتلك السودان عناصر قوة خامدة، أبرزها الصمغ العربي، لكنها لا تتحول إلى أدوات نفوذ فعالة بسبب غياب الرؤية الوطنية الاستراتيجية، وتشتت الإرادة السياسية، وارتهان النخبة الاقتصادية في فضائه للربح السريع. إن إعادة الاعتبار لهذا المورد الحيوي كأداة في السياسة الخارجية والاقتصاد الوطني عبر شراكات مستقبلية نوعية، تعتبر خطوة نحو الاستقلال الحقيقي وبناء دولة تقوم على تبادل المصالح لا الخضوع للعقوبات والمساعدات الإنسانية والقروض.
📌 توصيات ختامية:
1. إصدار قانون وطني لتنظيم إنتاج وتصدير الصمغ العربي بما يحفظ مصالح المنتجين والدولة، ويمنع تهريبه، ويجعله ورقة اقتصادية سياسية.
2. تشكيل مفوضية أو مجلس وطني للصمغ العربي تشرف على إدارة ملفه داخليًا وخارجيًا، وتعظم من زراعته، ترقية إنتاجه وتأهيل سوقه وتسويقه، وتطوير صناعاته.
3. الدعوة لتكتل إقليمي للدول المنتجة للصمغ العربي لتوحيد المواقف في السوق العالمية، تقود الي بورصة بريادة سودانية.
4. استخدامه كورقة تفاوض في المحافل الدولية وربطه بملفات السيادة والدعم الاقتصادي، والعقوبات التي تفرض بعض الدول على البلاد .
1. افراد جهاز اعلامي خاص بهذه السلعة للنهوض بالترويج لها.
⸻
٢ يونيو ٢٠٢٥م
أولًا: فهم القيمة الاستراتيجية للصمغ العربي
• السودان يُنتج حوالي 70 إلى 80% من الإنتاج العالمي للصمغ العربي (خاصة من نوع “الهشاب”).
• الصمغ يدخل في صناعات حيوية مثل:
• الصناعات الدوائية
• المشروبات الغازية (كوكاكولا، بيبسي)
• مستحضرات التجميل
• الطباعة والأحبار
• الصناعات الغذائية كمثبت ومُستحلب
⸻
ثانيًا: تحويل المورد من مادة خام إلى ورقة ضغط
1. التلويح بورقة المنع أو التقييد
• السودان يمكنه التلويح بتقييد أو تنظيم صادرات الصمغ العربي للدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، التي تعتمد عليه في صناعاتها.
• هذا التهديد لا يُستخدم فعليًا بل يُدار ضمن سياسة تفاوض ذكية.
2. تدويل المسألة
• طرح قضية الصمغ العربي في المحافل الدولية كمورد حيوي حيوي عالمي من دولة تعاني من الفقر وعدم العدالة في سلاسل القيمة.
• هذا قد يفتح بابًا لمفاوضات بشأن دعم السودان تنمويًا مقابل ضمان تدفق هذا المورد الحيوي.
⸻
ثالثًا: ربطه بالحصار والعقوبات الدولية
• في فترة العقوبات الأمريكية على السودان، استثني الصمغ العربي من الحظر — وهذا دليل على إدراك واشنطن لقيمته الاستراتيجية.
• يمكن استخدام هذا المثال للتأكيد على أن للسودان موارد قادرة على التأثير في علاقاته الدولية، شريطة امتلاك سياسات رشيدة.
⸻
رابعًا: تشكيل تحالفات إقليمية ودولية
• يمكن للسودان بالتنسيق مع دول أفريقية أخرى منتجة للصمغ (كالتشاد ونيجيريا) تكوين تكتل تصديري مشترك لخلق منصة ضغط تفاوضية موحدة.
• هذا التحالف قد يُشبه “أوبك” لكنه خاص بالمواد الطبيعية النادرة غير النفطية.
⸻
خامسًا: استخدامه كورقة تفاوض في ملفات أخرى
• إدماج الصمغ العربي في ملفات التفاوض الثنائية والمتعددة الأطراف (مثل ملف التطبيع، الدعم، أو التعاون الأمني).
• مثال: عرض ضمان استقرار إمدادات الصمغ العربي مقابل رفع العقوبات أو الدعم التنموي.
⸻
سادسًا: التصنيع المحلي والحد من الاعتماد على التصدير الخام
• تحويل الصمغ العربي من مادة خام إلى منتجات مصنعة داخل السودان سيزيد من هامش الربح والقيمة السياسية والاقتصادية له.
• سيجعل من السودان مركزًا إقليميًا لتصنيع مشتقات الصمغ، ما يضاعف نفوذه التجاري والسياسي.
⸻
خاتمة:
توظيف سلاح الصمغ العربي سياسيًا يتطلب:
1. رؤية استراتيجية واضحة.
2. إرادة سياسية مستقلة.
3. بنية اقتصادية قادرة على التحول من التبعية إلى الشراكة.
الصمغ العربي ليس مجرد “مورد اقتصادي”، بل يمكن أن يكون أداة سيادة وكرامة إذا أُحسن استثماره في التفاوض مع القوى الكبرى.